Forum - الفلسفة

الفلسفة

الوضع البشري
تأطير عام
قد ننطلق في مقاربتنا الإشكالية  الوضع البشري من السؤال، ما الذي يجعل الإنسان كاْئنا على حدة؟ إن من الواضح أن الإنسان يتشبث بتمييز عن باقي الكائنات الأخرى . فما الذي يبرز هذا التميز؟
إذا أجرينا مقارنة بين الإنسان و مملكة الجماد فسنجد أن الإنسان يفتخر بمقومات من قبيل، الحياة، الحركة، الحرية، الإرادة، والقدرة على التفكير، كخصائص لا تتوفر في الجماد، ولكنه ينسخ في المقابل كون الجماد يشاركه في المادية كما يشاركه في المكان و الزمان ومن هنا لا يمكن للإنسان أن ينكر شيئيته داخل هدا العالم. على نفس المنوال كثير من الوشائج تربطه بعالم النباتات و الحيوان فله من الأولى نمائه وحاجاته ومن الثانية انفعالاته و شهواته وأنظمة مشتركة في الجسد و السلوك, و بالتالي لا يمكن الجسم بشكل قطع في رسم ملامح الوضع البشري عن بقية الأنظمة التي تقتسم العالم. مما يدفعنا إلى مساءلة الحدود الفاصلة بين إنسانيتنا وشيئيتنا وحيوانيتنا من خلال تساؤلات تجد منطلقها  في سؤال، من أنا؟ (مفهوم الشخص). و الذي يقابله سؤال من أنت؟ (مفهوم الغير). في ظل بحث عن كيفية تفاعلنا كذوات إنسانية عبر الزمان و المكان (مفهوم التاريخ).
الشخص
تقديم
يدل مفهوم الشخص على الإنسان بما هو ذات واعية و عاقلة قادرة على التمييز بين الخير و الشر بين الصدق و الكذب، و تتحمل مسؤولية أفعالها و اختياراتها. كما يحيل مفهوم الشخص أيضا على وحدة و مطابقة مع الذات تستمر رغم تعدد الحالات التي يمر بها، و رغم اختلافهما. غير أن هذه الوحدة التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسئلة يمكن صياغتها على الوجه التالي:
إذا كان كل شخص يدرك نفسه بوصفه "أنا" فكيف يتحدد هذا الأنا؟
إلى جانب ما سبق إذا كان الإنسان وحده من يقال عنه شخص فهذا يعني أنه عبارة عن قيمة و أهمية في الوجود دون سواه من الكائنات الحية. فمن أين يستمد الكائن الإنساني هذه القيمة؟
إذا كان رفض الشخص يقترن بذلك الكائن الحر الفريد الذي هو الإنسان، فهل هذا يعني أن هذا الأخير سيد مصيره و حصيلة لإرادته و اختياراته أم أنه على الرغم من امتلاكه للعقل يبقى مجرد منفذ لمقتضياته و إملائات لشروط تقع خارج إرادته و اختياراته؟
الشخص و الهوية
تأطير إشكالي
ما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص؟ هل تقوم على الوحدة و التطابق أم التعدد و الاختلاف؟ و إذا كانت تقوم على الوحدة والتطابق فما الذي يجعلها كذلك؟ و بصيغة أخرى ما الذي يضمن هذه الوحدة و هذا التطابق؟
 موقف ديكارت (الاتجاه العقلاني، الهوية الميتافيزيقية) 
تذهب الفلسفة الديكارتية إلى أن الهوية الإنسانية تنشطر بين جزأين اثنين احدهما يدعوه بالجوهر الممتد(الجسد) و يقصد به البعد المادي الجسدي في الإنسان و هو بالنسبة إليه بعد ثانوي لا يمنح للإنسان خصوصيته و تميزه ما دام أنه مشترك مع باقي الأشياء الممتدة، أما الجوهر الثاني فهو يدعوه بالجوهر المفكر الذي يمثل العمق الحقيقي للإنسان ما دام وحده استطاع الصمود أمام آليات الشك، و هذا ما أدى بديكارت بالاستنتاج كون الإنسان شيء قبل كل شيء مجسدا ذلك في عبارة الكوجيطو "أنا أفكر إذا أنا موجود"، إذ ينبغي التنبيه إلى أن صفة الفكر التي يقصدها بعبارته هاته لا تحيل إلى العمليات الإدراكية اللصيقة بالحواس و إنما هي صفة متحررة من كل نزوع مادي، الأمر الذي يجعل الهوية عند ديكارت هوية ميتافيزيقية.
موقف جول لاشولي (أساس هوية الشخص)
أساس هوية الشخص حسب لاشولي هي وحدته النفسية و هذه الوحدة لا تفترض وجود أنا ثابت و أصلي في الذات بل تتحقق كعملية تطورية تنتج عن آليات الربط بين الحالات النفسية التي يساهم فيها بدور كبير كل من الطبع و الذاكرة.
إن حصر الهوية الشخصية في محددين فقط يجعلنا لا ننفتح على مميزات أساسية يتسم بها الشخص و تتدخل في تكوين شخصيته و بالتالي تحديد هويته فهذا التصور لا يتضمن مجموعة من الأسس الأخرى التي تنبني عليها هوية الشخص لأنه كيان نفسي و اجتماعي.
موقف سيغموند فرويد(التحليل النفسي)
يقدم فرويد تصورا علميا يعتبر فيه أن الهوية الشخصية هي بناء دينامي تتفاعل فيه مجموعة من المكونات.
فالوحدة النفسية في نظره لا تتحقق إلا عندما تكون "الأنا" قادرة على تحقيق التوافق بين مطالب "ألهو" و "الأنا الأعلى" و هذه المطالب متعارضة لأن ألهو يمثل الرغبات و الغرائز و الأنا الأعلى يمثل ما يجب أن يكون (القيم الأخلاقية و الاجتماعية) هكذا فمهمة الأنا تكون صعبة جدا خاصة عندما يتصلب ألهو في مطالبه و يلح على إشباعها، و يفرض الأنا الأعلى المعايير الأخلاقية التي يجب إتباعها و هذا ما يجعل الأنا يصارع باستمرار من أجل انجاز مهمته و هي إحداث التوافق و الانسجام بين كل هذه المتطلبات من أجل خلق شخصية متوازنة و هذا ما يؤدي إلى تحقيق الوحدة النفسية للشخص
الشخص بوصفه قيمة
تأطير إشكالي
أين تكمن القيمة الإنسانية للشخص؟ وما دلالة اعتبار الشخص غاية في ذاته و ليس وسيلة لغيره؟ وهل كون الشخص غاية في ذاته يمنح قيمة مطلقة تتجاوز ذاتية الآخر فردا كان أو جماعة؟ 
موقف إيمانويل مونيي (الفلسفة الشخصانية)
القيمة الإنسانية للشخص حسب مونيي لا تتحدد في كونه واقع مادي و موضوعي بل في كونه كينونة نفسية متميزة و كذاتية منفتحة على العوالم الثقافية و الحضارية المحيطة به.
و يرى مونيي أن الشخصية الإنسانية تند عن كل تعريف و تحديد و أنما يقبل فيه التحديد موقف الجانب الخارجي منها، أي باعتبارها مادة، و كذالك يرى بأن الشخصية لا تقبل أن توضع لها حدود و تعريفات تضبطها و تأطرها لأنها  تجربة ذاتية فريدة و ليست موضوعا خارجيا فقط، و يعتبر أن الشخص ليس شيئا من بين الأشياء و مقاربته كمادة، فهي تبقى مقاربة ناقصة لا تعبر عن الشخص كما هو، أي أنها لا تعبر عنه في كليته و لا تتفهمه في حقيقته [المقاربة المادية للشخص لا تعبر إلا عن وجه من أوجه وجود الإنسان فقط] و يؤكد على أن الشخصية الإنسانية ليست موضوعا يعرف من الخارج بل هي أيضا تجربة ذاتية حاضرة و غير معطاة. فقيمة الشخص حسب مونيي مبنية على تفاعله الحي و المعيشي و باقي الكائنات الإنسانية فهي لا توجد في الفرد أو الجماعة بل في العلاقة الحميمية القائمة بينهم. فقيمتنا حسب مونيي يمكن أن نكتشفها بماهية الجماعة البشرية دون أن نكون مطالبين بالتخلي عن خصوصيتنا و فرادتنا فلا يمكن أن نعرف قيمتنا الداخلية إلا بالانفتاح الحضاري، فالشخصية الإنسانية تجربة معيشية غنية أساسها الإبداع و التواصل و الانخراط.
موقف إيمانويل كانط ( الفلسفة الأخلاقية، القيمة الأخلاقية)
يشير كانط إلى أن الشخص غاية في ذاته و لا يمكن أن ينظر إليه كأداة أو وسيلة فهو غاية في كل الأفعال التي تعنيه بشكل مباشر أو الموجهة تجاه الغير فالموضوعات الخارجية لا تكتسب قيمتها إلا من الحاجات التي تتولد عنها أي من حيث الميولات التي للإنسان تجاهها فقيمتها نسبية، إلا أن الأشخاص و باعتبارها كائنات عاقلة فإن إشكالية القيمة بالنسبة لهم لها علاقة بما هو ذاتي و خاصة ما يتعلق بالمعايير الأخلاقية فالشخص يجب أن يعامل وفقا للأمر الأخلاقي لكي تحترم شخصيته و كرامته، فكرامته لا يمكن أن تقدر بقيمة مادية. هكذا إذن فقيمة الشخص لا ترتبط بما هو مادي و لا بما يمكن أن يحققه من منفعة و مردودية بل ترتبط بمحددات ذاتية لأنه كائن واع يتحمل مسؤولية أفعاله و لا يمكن أن يعامل كوسيلة أو شيء بل يجب معاملته وفقا لما تقتضيه القيم الأخلاقية. 
الشخص بين الضرورة و الحرية
تأطير إشكالي
هل الإنسان نتيجة لاختياره و فعله؟ و هل شخصيتنا ترسم بفعل ما سطرته إرادتنا و حققته إنجازاتنا دون أن نعي ذلك؟ و كيف يمكن الحديث عن الحرية في استحضار للحتميات المحيطية بنا؟ و بماذا نبرز هذا الإحساس بالمسؤولية الذي يصاحبنا على الدوام؟
 موقف اسبينوزا (الفلسفة الجبرية، وهم الحرية)
تأكيد اسبينوزا على أن حرية الاختيار التي يعتقد الشخص أنه يمتلكها هي وهم نتج عن جهل بالأسباب التي تدفعه إلى هذه الاختيارات. يعالج اسبينوزا إشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية من تقديم مثال لحجرة تتحرك نتيجة لقوة خارجية دفعتها إلى هذه الحركة، لكن عندما تنفصل هذه الحجرة عن القوة التي دفعتها ستستمر في حركتها و استمرارها ناتج بالضرورة عن هذا السبب الخارجي فهناك إذن علة خارجية فرضت على هذا الشيء أن يتصرف أو أن يوجد على هذا الشكل و ليس على شكل آخر، ثم يطلب أن نتصور أن هذه الحجرة تستمر في حركتها تستطيع إدراك و وعي هذه الحركة فمن المؤكد أنها ستستطيع أن حركتها ناتجة عن مجهودها الخاص، أي أنها تريد أن تتحرك بحرية مطلقة، ثم يؤكد أن هذه هي الحرية التي يعتقد الإنسان أنه يمتلكها، يعتقد أنه يتصرف من تلقاء ذاته و يتحكم في اختياراته و يفعل ما يشاء و ما يريد لكن حريته هاته هي مجرد وهم ناتج عن عدم قدراته على معرفة الأسباب التي دفعته إلى هذه الأفعال و التصرفات، فالقول بالحرية في نظر اسبينوزا هو حكم فطري يولد مع الناس و لا يستطيعون التخلص منه لأنهم سيستطيعون إدراك شهواتهم و ميولاتهم و لا يستطيعون إدراك الأسباب و الدوافع التي أدت إلى هذه الاختيارات. رغم أن الشخص يفكر، يعي، و يدرك، فإن اسبينوزا يعتبره أنه خاضع لإكراهات و حتميات تفرض نفسها عليها و لا يستطيع أن يتخلص منها. فالشخص غير قادر على التصرف بحرية، لكن هذا التصور يجعل من الشخص مجرد شيء أو آلة متحكم فيها فقط.
   موقف جون بول سارتر (الفلسفة الوجودية)
يعتبر سارتر أن الشخص يمتلك الحرية المطلقة في الاختيار فهو كائن يوجد قبل أن نستطيع تعريفه بأي فكر" الوجود يسبق الماهية"، فالإنسان لا يكون إلا حسب ما ينويه و ما يشرع في فعله حيث يقول سارتر (الإنسان ليس إلا ما هو صانع بنفسه) توضع هذه الفكرة أن الإنسان مسؤول عن ذاته و عن الآخر فهو يختار أفعاله و تصرفاته و يتحمل مسؤولية ما يترتب عنها من نتائج، إن جوهر الإنسان في نظر سارتر هو الحرية تستنتج مما سبق أن الشخص يخضع لحتميات و إكراهات في بعض الأحيان لكنه يمتلك حرية الاختيار ما دام كائن مفكر و واع و يمتلك الإرادة فهو خاضع و حر في نفس الوقت و هذا ما يجعله يتحمل المسؤولية تجاه ذاته و تجاه الآخر.
الغير
تقديم
يشير مفهوم الغير في التمثل المشترك إلى الآخرين من الناس أي المختلف عن الذات و يحتفظ الغير بنفس هذه الدلالة في اللغة العربية فنجد أن الآخر و للغير نفس المعنى و هي المخالف أو المباين فيدلان على كل شيئين  مختلفين اختلافا كليا أو جزئيا. أما في اللغة الفرنسية للغير و الآخر معنيين مختلفين، الآخر هو ما ليس نفس الشخص و ما ليس نفس الشيء. أما الغير فهم الآخرون من الناس فقط.
و في الفلسفة فيدل الغير عن آخر أنا، إنه أنا آخر و ليس موضوعا، الآخر الذي يتجلى ضمن علاقة التعايش و يحيل على إمكانية التماهي أو التطابق، و يعرف سارتر الغير ب "الغير هو الأنا الذي ليس أنا" أين أن الغير هو أنا آخر له نفس المميزات الجوهرية للأنا.
للغير دور هام و أساسي بالنسبة للأنا فهو ينتمي إلى مجال العلاقات الإنسانية بكل أبعادها الفكرية، الوجودية، المعرفة أو العاطفية، و الانفتاح على هذا المفهوم يتيح لنا كيفية تأمل الذات في علاقتها مع الآخرين من أجل معرفة مختلف مفارقات هذه العاقة، إن مفهوم الغير هو مجال للتأمل الفلسفي في الوجود البشري في بعده التفاعلي من خلال مقاربة الإشكالات التالية. هل وجود الغير ضروري لكي يتمكن الأنا من معرفة قدراته و إمكاناته الذاتية؟ هل معرفة الغير ممكنة؟ ألا يمكن أن يتحول الغير إلى موضوع عندما نريد معرفته؟ كيف يؤدي التواصل مع الغير إلى معرفة؟ و ما أساس العلاقة مع الغير؟ و هل يمكن لهذه العلاقة أن تؤثر إجابيا على الأنا؟ 
وجود الغير
تأطير إشكالي
كيف يتحدد وجود الغير؟ و هل وجوده ضروري أو غير ضروري؟
موقف جون بول سارتر (الغير هو أنا آخر)
يجب سارتر عن سؤال، هل وجود الغير ضروري لوجود الأنا؟ حيث يختلف مع الفلسفة الذاتية التي يعتبر فيها "ديكارت" أن وجود الأنا لا يتعلق إلا بالتفكير و ليس بأي شيء خارج ذاته "أنا أفكر إذن أنا موجود" أما وجود الغير فإنه وجود افتراضي و جائز يتطلب البرهنة و الاستدلال لكن سارتر يعتبر أ، الغير هو أنا آخر لا يمكن أن يكون موضوعا أو شيئا إنه ذات واعية مفكرة أخرى لها مجموعة من المحددات الجوهرية المشتركة مع الأنا، الغير ليس موضوعا أو شيئا خارجيا و لا يمكن إدراكه إلا باعتباره ذات، فالغير هو الأنا الذي ليس أنا، رغم العدم الفاصل بين الأنا و الغير الذي تشير إليه كلمة "ليس" فهذا العدم لا يستمد ذاته من الأنا أو من الغير بل من العلاقة المتبادلة بينهما لأنه يشير إلى الغياب الأولي للعلاقة الذي يعبر أساسا لكل علاقة بين الأنا و الغير لأنهما ينبثقان في علاقتهما و ليس قبلها عندما يدرك كل منهما الآخر كذات واعية  وليس موضوعا فلا يكون الأنا واعيا إلا بالعلاقة مع الغير و هذا ما يجعل وجود الغير ضروري لوجود الأنا حيث يقول سارتر "لكي أتوصل إلى حقيقة كيفما كانت حول ذاتي لابد لي أن أمر عبر الآخر، إن الآخر لا غنى عنه لوجودي كما لا غنى لي عنه في معرفتي لنفسي" يشكل إذن الغير واسط ضروري الذي يمكن الذات من اكتشاف قدراتها و إمكاناتها الذاتية و يمكنها كذلك من تنمية و تطوير هذه العلاقة.
موقف هيدغر ( الغير هو عائق لي)
يعتبر هيدغر أن الغير يشكل تهديدا للأنا خاصة أثناء الوجود المشترك فهو يعمل على إلغاء جميع خصوصياته الذاتية و يصبح الأنا تحت سلطة الغير عندما يخضع لقيم و مبادئ الوجود المشترك و انتماء الغير إلى هذا الوجود يقوي من قبضته و سلطته. لوجود الغير إذن بعدين بعد ايجابي عندما يكون هو المنافس الذي يدفع الأنا إلى بذل كل ما في وسعه لكبي يثبت ذاته و يطور و ينمي قدراته و إمكاناته، وبعد سلبي عندما يكون وجوده يشكل عائق فعلي أو نفسي أمام الأنا "الآخرون هم الجحيم".
معرفة الغير
تأطير إشكالي
هل معرفة الغير، ممكنة أم غير ممكنة؟ و أين تكمن الإشكالية حينما يتعلق الأمر بمعرفة الغير؟ ما الذي يجعل الأنا يعتقد أن بإمكانه معرفة الغير؟ و هل هذه المعرفة فعلا ممكنة؟
موقف مالبرانش (صعوبات معرفة الغير)
  يؤكد مالبرانش أن الأنا غير قادر على معرفة نفوس الآخرين لأنهم يختلفون عنهم ولا يمكن إدراكهم من خلال وعيه الذاتي و أقصى ما يمكنه الوصول إليه هو مجرد فرضيات تدعي أن الآخرين هم من نفس فصيلة الأنا و لذلك فهم يتشابهون معه في كل شيء حتى فيما يتعلق في الانفعالات الداخلية لكن هذا الاعتقاد غير صحيح فالغير يمكن أن يشبه الأنا في بعض الأشياء فقط عندما يحكم الأنا على الغير بأنه لا يختلف معه فهذا الأمر يتعلق بإدراك بعض الحقائق المنطقية التي تفرض نفسها على العقل، فالأنا لم يخطأ أبدا إن أدرك أن الغير يعرف بأن اثنان في اثنان يساوي أربعة. فمن خلال هذا المثال يبين مالبرانش أن الأنا يكون على صواب في اعتقاده لأن الآخرين يعرفون هذه الحقائق معرفة جيدة. لكن عندما يتعلق الأمر بالانفعالات الداخلية التي يمكن أن تحدث للأنا نتيجة مثيرات خارجية فهو يخطأ عندما يحكم على الآخرين من خلال ذاته أنه يقوم بإسقاط ما يشعر به داخليا على الآخرين فيعتقد أن بإمكانه معرفة ذواتهم و لكي يؤكد هذه الفكرة يقدم مجموعة من الأمثلة التي يوضح من خلالها أنه لا يمكن أن يحدث نفس الانفعال للأنا و الغير نتيجة مثير خارجي ما فعندما يشعر الأنا بالحرارة فهذا لا يعني أن الغير كذاك يشعر بنفس ما يشعر به الأنا لذلك فإن الاقتصار على ما هو عاطفي في حكم الأنا على الغير يؤدي به إلى الوقوع في الخطأ، و هذا ما يجعل معرفة الغير تقوم على التخمين و التقريب فقط.
موقف موريس ميرلوبونتي
ينتقد موريس الفلسفة الذاتية التي تدعي أن معرفة الغير ممكنة، فمعرفة الغير تكون مستحيلة في حالة واحدة وهي عندما ينظر كل من الأنا و الغير إلى بعضهما نظرة تشييئية (الأنا يعتبر الغير موضوع و الغير يعتبر الأنا موضوع) و يعتبر أن النظرة ليست تهديدا لخصوصيات وجود الأنا، و لا تشكل عائقا أمام كل تواصل و تعدده. فإمكانية التواصل مع الغير و الاعتراف المتبادل بفردية كل من الأنا و الغير من شأنها أن تقضي على تلك النظرة التشييئية للإنسان حيث يدخلان في علاقة تعاطف و حوار. و من هنا تؤدي اللغة دورا أساسيا في التعرف على الغير باعتباره ذاتا.
موقف ماكس شيلير
ضرورة معرفة الغير باعتباره كلا لا يقبل التجزيء بالظاهر الباطن. لا يمكن تقسيمه إلى خارج و داخل فمعرفة الغير ممكنة باعتباره كلا أي أن مختلف التمظهرات الخارجية للغير تعبر عن انفعالاته الداخلية (الابتسامة تعبر عن الفرح).
العلاقة مع الغير
تقديم إشكالي
هل يمكن الاستغناء عن الغير و العيش في عزلة مطلقة؟ و إذا كان لابد من وجود الغير فعلى أي أساس ينبغي التعايش معه؟
موقف أرسطو (الصداقة أساس العلاقة مع الغير)
لقد عرف أرسطو الإنسان في كتاب "السياسة" أنه مدني بطبعه أي حيوان اجتماعي بطبعه و لأن الإنسان يظل دوما في حاجة إلى الغير و لا يمكنه أن ينجز بنفسه كل ما يريد  رغم ما يتوفر عليه من قدرات عقلية و بدنية. و قد أشاد أرسطو بأهمية الصداقة في الحياة الاجتماعية و خاصة الصداقة الفضيلة التي يعتبرها أسمى أنواع الصداقات، لأنها صدقة تطلب لذتها وليس منفعتها. و لدعم رأيه أستدل بأمثلة من الواقع، تبين أهمية الصداقة و ضرورتها في الحياة ، فالأصدقاء هم الميلاد الوحيد الذي يمكننا الاعتصام بهم في حالة البؤس و في الشدائد المختلفة ، و هذا ما يجعل الناس غير قادرين على العيش بدون أصدقاء و لو كان يتوفرون على كل الخيرات، كما أن الصداقة حسب أرسطو تكاد تكون مسألة طبيعية في الإنسان ما دام أن القانون الطبيعي يقضي أن الحب إحساس فطري في قلب الكائن نحو الذي يلد نحو الكائن الذي يلده و هذا الإحساس ليس حكرا على الإنسان بل حتى عند الحيوان و ما ينطبق على الصداقة بين الأفراد هو ما ينطبق بين الجماعات في المجتمع. و مهما كانت الجماعة كبيرة و مهما كثر عددها فإنها تظل عاجزة عن تحقيق متطلبتها فإن لم تنفع على مجتمعات أخرى تتبادل معها الأخذ و العطاء فيما يتعلق بالخيرات المادية و فيما يتعلق بالخيرات المعرفية كما يؤكد أرسطو على أنه متى أحب الناس بعضهم بعض لم تعد مسألة، لأن هذا الأخير يستمد العطف و المحبة.
موقف كوجيف (العلاقة مع الغير هي دائما علاقة صراع)
العلاقة مع الغير عند هيجل كما قدمها كوجيف لا تقع على أساس الصداقة كما ندى بها أرسطو و كانط و إنما تقوم على مبدأ الهيمنة و الصراع. فهناك رغبة توجه كل "أنا" نحو الكشف عن ذاته و المخاطرة بحباته سعيا وراء نزوع الاعتراف به كوعي خالص مما يجعل الغير تكتب بلغة الصراع، فقد استفاد هيجل من موقفه هذا من تاريخ البشرية الذي يمثل بالنسبة له تاريخ تفاعل و صراع بين السيادة و العبودية، فالإنسان في نشأته لا يكون فقط إنسانا و كفى، إنه دائما بالضرورة إما عبدا أو سيدا و هذا ما دفع هيجل إلى اعتبار العلاقة الصراعية بين الأنا والغير من خلال ثنائية السيد و العبد علاقة وجودية و هي تمثل صلب العلاقة الاجتماعية، فالإنسان تاريخيا ظل متشبثا بهذه الثنائية فهو لا يخرج عن هذه التراتبات القائمة علة الصراع من أجل نيل الاعتراف و فرض الهيمنة. و إذا تأملنا العلاقة القائمة في المجتمع في جميع المؤسسات ستبدو أن العلاقات القائمة بين الناس قائمة على مبدأ الهيمنة و التحكم فكل طرف يريد أن يسيطر على الآخر و يخضعه لغايته و ينتزع منه الاعتراف و هذا الأخير هو دافع الصراع بين الأنا و الغير و تحقيقه لن يتم إلا بانهزام أحد الطرفين دون موته، لأن موت أحد الطرفين أو هما معا سيجعل مسألة الاعتراف لا معنى لها. 
التاريخ
تقديم
يمثل مفهوم التاريخ بعد آخر من أبعاد الوجود البشري و هو البعد التاريخي الذي يجسد مختلف التفاعلات الاجتماعيات التي تنبني على صراع المصالح و الإرادات البشرية فهو بهذا المعنى ليس سردا للواقع و الأحداث فقط بل إنه يمثل سيرورت الثقافة الإنسانية حيث يتعدد الإنسان داخلها كذات فاعلة تنتج الوجود التاريخي و الاجتماعي المشروط في الزمان و المكان. ذلك أن و جود الإنسان بوصفه كائن تاريخي لا يتحدد إلا كامتداد لتجربة متعينة في التاريخ، ليس لأنه ينخرط كذات فاعلة في مجرى التاريخ و سيرورت وقائعه فقد بل كذلك لأنه يجعل التاريخ موضوعا علميا خاضعا لمعرفة منظمة و موثقة لكونه دائم التطلع إلى معرفة أحداث و وقائع الماضي و محاولات فهم سياقها التاريخي و تحليل كيفية حدوثها. إذا فكيف نجعل من الوقائع و الأحداث التاريخية موضوعا للمعرفة؟ و هل يمكن اعتبار حركة التاريخ متصلة ولا انقطاع فيها؟ هل يتقدم التاريخ نحو وجهة محددة مسبقا؟ هل هناك علاقة بين الماضي و الحاضر؟ و ما دور الإنسان في صنع وقائع التاريخ؟.  
المعرفة التاريخية
تأطير إشكالي
كيف تصبح المعرفة بالماضي ممكنة؟ و هي الوسائل المعرفية التي تمكننا من فهم السيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية؟ و إلى أي أحد يمكن إقرار أن تناول التاريخ لواقع الماضي هو تناول العلم؟ بل هل يمكن الجزم بأن علم التاريخ معرفة علمية؟
موقف عبد الرحمان ابن خلدون (التاريخ)
اعتبر ابن خلدون أن التاريخ فن متداول و مشترك بين الجميع و كمنضومة تراثية تشير و تؤرخ لسيرورة العمران البشري و ما يلحق بطبيعة ذلك العمران من عوارض و أحوال مثل التقلبات البشرية التحضر و التمدن، و كشف عن بعدين من أبعاد التاريخ، بعد سطحي اعتبره في مجرد نقل للأخبار و سرد للحكايات، و بعد آخر باطني أعتبره جديرا بأن يعد كعلم لكونه في نظره تحقيق و تعليل للأسباب الكاملة وراء الأحداث الماضية، و يؤكد على أهمية التاريخ في كونه شرطا أساسيا و أرضية انطلاق لفهم الحاضر من خلال الانفتاح على الماضي و الاقتداء به. و حدد ابن خلدون مواصفات للمؤرخ التي اختزلها في امتلاك معارف متنوعة و موسوعية و حسن النظر في قراءة الأحداث الماضية و كدا مراعاة ما يسميه بطبائع العمران، و يشير ابن خلدون إلى أن الاعتماد على الأخبار المنقولة و المتداولة دون تمحيصها و نقدها و تصحيحها و مراعاة طبائع العمران يوقع المؤرخين في المغالطات و الحياد عن جادة الصدق.
موقف إيريني مارو
يعتبر مارو أن التاريخ عبارة عن معرفة علمية ينشأها و يبنيها المؤرخ استنادا إلى منهج علمي صارم و دقيق و كفيل للوصول إلى الحقيقية التاريخية، و هو معرفة مبناة تتعارض مع أي سرد من ماضي أو عمل أدبي يتوخى إعادة كتابة الماضي، و يؤكد على ضرورة انتهاء عمل المؤرخ إلى أثر مكتوب و هو في نظره مطلب عملي لا منهجي يرتبط بالمهمة الاجتماعية المؤرخة و ليس بوظائف العملية ذات الطابع المنطقي يستبدل ثنائية السرد و الكتابة بثنائية البناء و الكتابة، فالبناء و الكتابة يحيلان إلى طريقتين متداخلتين في العمل التاريخي و لكنهما متميزتان على مستوى الوظيفة المنطقية لكليهما، و تأكيده على أن التاريخ ليسا بحثا أو دراسة بل إنه تأسيس معرفي يعتمد على النتائج التي يقود إليها البحث و كل بحث ا نتيجة من وراءه وجب إلغائه كمسار منهجي لبناء المعرفة التاريخية، التاريخ لا يتحدد إلا لما يستطيع المؤرخ إنشاءه للحقائق و بالتالي فإن المعرفة التاريخية معرفة علمية تجعل من كل ماضي بناءا موضوعيا مفكرا فيه، فالتاريخ معرفة علمية مكونة عن الماضي تتشكل تبعا لمنهج منظم و صارم يمثل العامل الأنجح لبلوغ الحقيقة اليقينية.
التاريخ و فكرة التقدم
تأطير إشكالي
ما معنى التقدم؟ هل هو سيرورة للأحداث التاريخية نحو تحقيق غاية محددة مسبقا؟
موقف ادوارد هاليت كال (التقدم و التطور)
التطور في نظر هاليت كال هو ذو طبيعة بيولوجية لأنه يعبر عن فكرة النشوء و الارتقاء التي تتميز بها الكائنات في الطبيعة حيث تتمكن من الارتقاء من مستوى أدنى داخل الطبيعة إلى مستوى أرقى، و هكذا يمكن أن نقول عنها أنها تتطور، أما التقدم فإنه يتأسس على الاكتساب الاجتماعي بمختلف مميزاته. و ينتقد ادوارد المقاربة الخطية للتاريخ و التي تعتبر أن التقدم يسير في اتجاه مستقيم و كأن له بداية محددة ونهاية محددة، أي أن التاريخ يتقدم نحو غاية محددة مسبقا و ذلك بشكل متواصل دون توقف أو انعطاف، و يرفض هذين المقاربتين ليؤكد أن التقدم لا يمكن  أن يسير في اتجاه مستقيم و دون انقطاع أو توقف و لا يمكن أن يرتبط بالطبيعة لأن هذه الأخيرة تطورية و ليس تقدمية فمصدر التقدم في التاريخ هو الاكتساب الاجتماعية (ما يمكن اكتسابه من معارف مختلفة انطلاقا من التحولات الاجتماعية) و لهذا فإن التقدم لا يمكن أن تتجه في خط مستقيم فقط بل يتميز بالانقطاع و عدم الاستمرارية. 
موقف ليفي ستروس
يؤكد أن التقدم لا يجب أن نتصوره كخط متصاعد و متصل الحلاقات بل إن التقدم يتم عبر قفزات و هذه القفزات لا تتم في نفس الاتجاه لأن الإنسانية في طريق تقدمها لا تشبه شخصا يصعد إدراج سلم فالتقدم حركة مراوحة في المكان تتضمن الربح أو الخسارة و تحكمه الصدفة و لا يمكن النظر إليه كخط تطوري متصاعد
موقف هربت ماركوز
يرى أن لمفهوم التقدم وجهان. تقدم كيفي يشير إلى تقدم التاريخ الإنساني في اتجاه تحقيق الحرية، وهذا ما أدى إلى وجود مجتمع أكثر إنسانية و تضاءل أشكال العبودية و الاستغلالية و الاضطهاد. و تقدم كمي يشير إلى تنامي المعارف و الكفاءات الإنسانية رغم وجود فترات التراجع و ذلك في اتجاه السيطرة على الطبيعة من أجل استغلال خيراتها.
إن التقدم الإنساني ناتج عن رابطة من هذين المفهومين حيث أن التقدم الكمي يتوقف على التقدم الكيفي و العكس صحيح.
دور الإنسان في التاريخ
تقديم إشكالي
هل التاريخ يتحدد بالفاعلية البشرية؟ أم أن التاريخ عملية اغتراب و استلاب ا ينخرط فيه الإنسان بوعي؟
موقف لوي ألتوسير (التاريخ سيرورة بدون ذات فاعلة)
يشير ألتوسير إلى أن الفلسفة الهيجلية خالية من كل ملمح إنساني فالتاريخ حسب هيجل هو عملية اغتراب و سيرورة جدلية للروح (الوعي الكلي) نحو تحقيق المطلق ففي التاريخ تتجلى الروح و تكشف عن نفسها بالتدريج و تتحقق عبر وسائل خارجية (أفعال الناس) حيث تستعمل الروح (فكرة الله) أفعال الناس النابعة من حاجاتهم و رغباتهم الخاصة كوسائل لتحقيق غاياتها (الفكرة المطلقة) إن الناس يخدمون غاية أسمى يتجاوز ما يسعون إلى الوصول إليه دون أن يدركوا ذلك فالعظماء و الأبطال في التاريخ ليسوا عباقرة صنعوا التاريخ بإرادتهم ب هو مجرد وسائل تستعملها الروح لكي تحقق مخططتها، فعظمة هؤلاء الرجال ليست نابعة من إرادتهم و عبقريتهم بل هي استجابة لروح العصر و أداة عابرة لتحقيق غاية بدأت قبلها و استمرت بعدها.
موقف جون بول سارتر (الإنسان هو صانع التاريخ)
يعيد سارتر تأويل قولة الإنجليز "إن البشر يصنعون تاريخهم على أساس الشروط والوقائع المادية السابقة" مجيبا عن الإشكال التالي، إذا كان الإنسان نتاج لشروط واقعية سابقة، فكيف نعتبر أنه يصنع التاريخ؟. يؤكد سارتر على أن البشر هم الذين يحركون التاريخ بأنفسهم و يصنعون أحداثه و وقائعه، و ليس الشروط المادية السابقة عليهم في نظره لو كانت الشروط السابقة تصنع التاريخ و توجهه ليصبح الناس مجرد آلات تحركها قوى لا إنسانية تتحكم في العالم الاجتماعي من خلال: أن الشروط المادية تمثل الأرضية المادية التي على أساسها يمكن أن يتحقق التغيير الاجتماعي عبر حركية الممارسة الإنسانية التي تستمد على هذه الشروط و تسعى إلى تجاوزها و تصغيرها، كما يؤكد على أنه إذا تبدي أنه هناك شيء يفلت من طبقة اجتماعية تريد تغيير الواقع المادي بين ذلك لأن ذلك لا يغني أن الشروط المادية هي التي تتحكم في مسار التاريخ و إنما يعود ذلك إلى أن هناك آخرون، طبقة أخرى قد صنعوه. إن الإنسان حسب سارتر يصنع التاريخ و يزيد عليه معنى إنسانيا و يحقق نفسه فيه، و الحركة الماركسية حسب سارتر برهان على أن الناس يضعون تاريخهم، حيث سعت إلى توحيد مسار التاريخ و قد جسدت سعيها هذا علميا من خلال توحيد الحركة العمالية في أحزاب، من أجل تغيير نمط الإنتاج الرأسمالي، و نظريا من خلال تنوير العمال و تعريفهم بواقعهم و بتناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي، وبالتالي فالإنسان يتميز بقدرته على الفعل و التغيير و تجاوزه على الوضع القائم من خلال الوعي بالشروط و الاكراهات الواقعية و المادية و تسخيرها لصالحه.
المعرفة
تأطير عام
 إن الوجود البشري يتميز بنشطين متكاملين. نشاط عقلي يؤدي إلى بناء و إنتاج معارف و أفكار لها قيمة فكرية أساسية في حياته ونشاط علمي يرتبط بالواقع مباشرة و النشاط العقلي ذو أهمية كبرى لأن غايته هي فهم الواقع بمختلف أشيائه وظواهره و إضفاء المعقولية عليه من خلال معرفة حقيقته وكشف مختلف المعايير المحددة لها سواء كانت ذاتية أو موضوعية لأن الغاية القصوى لكل معرفة إنسانية هي بلوغ الحقيقة و لذلك فإن الإنسان يستعمل مختلف الوسائل لتحقيق هذا الهدف إنه يقوم بوضع القواعد و تحديد المفاهيم و اللجوء إلى التجارب و الملاحظات و تحديد منطلقات كل تفكير يهدف إلى بناء معرفة منطقية صادقة و لا تتضمن التناقص في منطوقها الداخلي.
مفهوم النظرية و التجربة
تقديم
يدخل هذا المفهوم ضمن مجال المعرفة العلمية التي يبنيها الإنسان حول ذاته و واقعه إنه ينشأ بناءات عقلية منطقية و منظمة هدفها تفسير و فهم ظواهر الطبيعة من أجل السيطرة عليها و استغلال خيراتها في إشباع حاجياته، فالنظرية العلمية هي بناء عقلي فرضي استنتاجي تتصف بالمعقولية و الصلاحية و هي ذات محتوى تجريبي أي لها علاقة مباشرة بالتجربة لأن الغاية منها هي ربط وقائع التجربة بمبادئ عقلية، فهل المعرفة تقوم على جمع المعطيات الحسية و تنظيمها وفقا لقوانين أم أن الوقائع الحسية لا تكون لها دلالة إلا إذا صاحبتها أسئلة نظرية؟ كيف تساهم المعطيات الحسية في بناء المعرفة العلمية؟ هل يتوقف دور النظرية على تفسير الواقع فقط؟ ما الحدود الفاصلة بين ما هو علمي و ليس علميا في النظرية؟
التجربة و التجريب
تقديم إشكالي
ما الفرق بين التجربة و التجريب؟ و ما هي خطوات المنهج التجريبي؟
موقف كلود برنار (مثال للتجربة العلمية)
يقدم برنار بأنه باعتباره أحد منظرين المنهج التجريبي، نموذجا من النماذج التجريب العلمي يبرز من خلاله فعالية المنهج التجريبي و نجاعته الاستكشافية حيث يرى في النظريات العلمية استخلاص للوقائع التي تمدنا بها التجربة و أن هذه الأخيرة تتحكم في البناء النظري بداية و انتهاء و تعتبر المعيار الحقيقي لكل معرفة و يلخص الخطوات المنهج التجريبي في أربع خطوات..
الملاحظة: معاينة الواقع من أجل إعادة إنشائها علميا و من شروط الملاحظة: * نقل ما هو موجود في الطبيعة بدون فكرة مسبقة. * إنصات العالِم بالطبيعة و تسجيل ما تمليه عليه.
الفرضية: فكرة مؤقتة و تفسير مسبق يقدمها العالِم انطلاقا من ملاحظات. و من شروطها: * أن تكون من صلب الواقع المدروس أي سند من الواقع. * أن تكون قابلة للتحقق بواسطة التجريب أي في المختبر.
استنتاج (القانون) استخلاص العلاقة الثابتة و المنتظمة بين ظاهرتين أو أكثر.
موقف ألبير جاكر
يبرز جاكر أن ما يمنح للنظرية صلاحيتها العلمية يمكن في قدرتها على الإجابة عن عدد كبير من الأسئلة و بالتالي قدرتها على تفسير أكبر عدد من وقائع التجربة. كما ينفي من جهة أخرى وجود وقائع تجريبية قابلة للملاحظة في ذاتها مؤكدا أن هناك ترابط بين الحواس و التفكير و تفاعل التجربة و النظرية. كما يميز بين التجربة باعتبارها مجموعة ملاحظتنا للظواهر المعطاة من قبل الطبيعة على نحو مباشر و بين التجريب باعتباره ملاحظة للاستجابة معطيات العالم الواقعي حينما نخضعها لشروط منظورة و موجهة من طرف الفكر و تتأكد النظرية عندما تتطابق الاستجابات التي تشيرها مع ما تكشفه التجربة و ما يقود إليه التجريب.
العقلانية العلمية 
تقديم إشكالي
ما الذي يميز العقلانية العلمية؟ و ما الذي يجعلها تنتقد العقلانية الكلاسيكية؟
موقف هانز رايشنباخ (العقلانية و النزعة المثالية)   
 ينتقد هانز الاتجاهات العقلانية التي تعتبر أن العقل هو المصدر الوحيد لكل معرفة تتوخى بلوغ الحقيقة و أن الحقيقة التي يتوصل إليها العقل هي حقائق ثابتة و يقينية سواء تعلق الأمر بالعقلانية التي ميزت العصر الحديث و التي أسسها ديكارت أو المثالية ذات الأصل الأفلاطوني فالمذهب العقلي يشملها معا لأن كل منهما ينظر إلى العقل على أنه مصدر مستقل للمعرفة و لا يحتاج الإنسان الرجوع إلى التجربة حيث النتائج التي يتم الوصول إليها تكون نظرية خالصة مستمدة من مبادئ العقل بدل الإدراك الحسي، إلا أن الرايشنباخ يرى أن المعرفة العلمية تتطلب استخدام مناهج معقولة فهي تعتمد على استخدام العقل من أجل معرفة الواقع حيث يتداخل العقل و التجربة، و لهذا فإن النزاعات العقلانية الخالصة للملاحظة و التجريب تكون بعيدة كل البعد عن بناء معرفة علمية و تصبح أقرب من النزعة الصوفية. فالعقلانية العلمية عقلانية تتطلب الارتباط التام بين العقل و التجربة فليس هناك عقلانية خالصة و لا تجربة عمياء 
موقف روبير بلانشي 
يشير بلانشي إلى أن المذهب التجريبي يتصور أن الفكر و العقل كقطعة من الشمع تطبع بطابع التجربة (العقل صفحة بيضاء يستمد معارفه من الحواس) حيث ينتقد هذا المذهب و يعتبر العقلانية العلمية هي عقلانية بعدية و تجريبية، حيث يتكيف العقل مع الوقائع التجريبية، فالفكر تغذية حركة مزدوجة ترتبط في هذه الحركة النزعة العقلانية بالتجربة ارتباطا وثيقا فكل واحدة منهما تبرر الأخرى و تعززها، حيث النزعة التجريبية في حاجة إلى أن تتعقل و النزعة العقلانية في حاجة إلى أن تطبق فبدون قوانين واضحة استنتاجية منسجمة لا يمكن للنزعة التجريبية أن تكون موضوعا للتفكير بدون براهين ملموسة مستمدة من الواقع المباشر لا يمكن للنزعة العقلانية أن تتوفر على قوة الإقناع التام.
العقلانية العلمية المعاصرة عقلانية منفتحة تؤمن بالارتباط الوثيق بين العقل و التجربة و تعتبر أن العقل يراجع قواعده و مبادئه باستمرار، و الحقائق التي يتوصل إليها لا يمكن أن تتسم باليقينية و الثبات و الإطلاق.
معايير علمية النظريات
تقديم إشكالي
ما هي معايير النظريات العلمية؟ و ما هي مقاييس صلاحيتها؟ هل يتحدد هذا المعيار بالتماسك المنطقي لبنيتها الداخلية؟ أم مطابقتها لشق الظواهر الواقعية (تحقق التجربة)؟
موقف بيكون كنموذج ( النزع التجريبية)
تتصور النزعة التجريبية بأن النظرية العلمية صورة أو استنساخ ذهني للموضوعات الواقعية. و أن الباحث أو العامل لا يتوفر على شيء غير ما تمده به التجارب، و من معطياتها ينشىء صورة عن الواقع فيعبر عنها في قوانين منظمة تنظيمها منطقيا. فمعارفنا حسب هذه النزعة ناتجة عموما عن الاتصال المباشر بالعالم الخارجي بل إن النظرية توجد في الواقع و الظواهر و يكفي أن يستخرجها العالم منها بواسطة التجربة لا أقل و لا أكثر. فالنظرية في نظر التجريبيين هي تطابق الواقع التجريبي و تكون من وحي التجربة. فالنظرية غير المستوحاة من التجربة مجرد خيال، و النظرية لا تقبل التحقق التجريبي لا تنتمي إلى مجال العلم.
 موقف أنشطاين (العقلانية المعاصرة)
التطور الذي عرفه العلم الفيزيائي و انتقاله من دراسة الظواهر الماكروفزيائية إلى دراسة الظواهر الميكروفزيائية المتناهية في الصغر دفع إلى الاعتقاد بأن النظرية العلمية لم تعد تصويرا لمعطيات الحس و التجربة و إنما أصبحت نظاما فرضيا استنباطيا شأنها في ذلك شأن الرياضيات ذات الطابع الفرضي الاستنباطي. و لم تعد التجربة مصدرا للمعرفة العلمية و لم تعد معيارا تقاس عليها صحتها، بل أصبحت تطبيقا للنظرية.
لم يعد الواقع هو المعطى الطبيعي المدرك حسيا، بل أصبحت مع العقلانية المعاصرة هو ما يخلقه العقل و يبدعه. ففي المجال الميكروفزياء لا يعثر العالم على الظواهر بل أصبح ينشؤها إنشاء بمواد علمية.
موقف الحسن بن الهيثم (دور النقد في بناء النظريات العلمية)
يحدد بن الهيثم معايير المنهج العلمي السليم في الاعتماد على الاستقراء و القياس و التمثيل مع ضرورة الاعتماد على الواقع الملموس إذ يخاطب كل طالب على أساس كونه طالب حق و يحدد له أسس الموقف النقدي الواجب اتخاذه في وجه كل معرفة علمية فالأصل في ممارسة النقد لديه هو استحضار إمكانيات الشك العلمي في منهج نقدي تجريبي قادر على بلوغ الحقيقة العلمية الجزئية بأكبر قدر ممكن من اليقين بالرغم من اللغة الدينية التي تغلق خطابه العلمي، فالشرط النقدي كمعيار لعلمية النظريات ضمن الممارسة العلمية لا يتحقق لديه إلا عبر نزع كل سلطة معرفية عن النظريات السابقة.
مسألة العلمية في العلوم الإنسانية
تقديم
العلوم الإنسانية هي العلوم التي تدرس الإنسان في أبعاده المختلفة: النفسية، و الاجتماعية و التاريخية.و قد كان ميلاد العلوم الإنسانية متأخرا مقارنة بالعلوم الطبيعية (الحقة)، فبعد أن تمت السيطرة على الطبيعة باعتماد العلوم الطبيعية و مناهجها تولدت الرغبة في فهم الإنسان لاحتوائه و التحكم فيه و فق تصور عقلاني يعتمد تطبيق المنهج التجريبي باعتباره منهجا تأكدت نجاعته و فعاليته في فهم و تفسير ظواهر الطبيعة. فإلى أي حد تستطيع العلوم الإنسانية إنتاج معرفة موضوعية و علمية بالظواهر الإنسانية؟ و هل بإمكانها تفسير و فهم تلك الظواهر؟ و هل للتفسير و الفهم في العلوم الإنسانية نفس المكانة التي يحتلها في العلوم الحقة؟ أليست الظواهر و الأفعال الإنسانية باعتبارها ظواهر واعية و إرادية، و لا تتكرر و لا تخضع للمتابعة تستعصي عن كل تفسير سببي و ضعي و تفرض بدل ذلك الفهم و التأويل فقط؟.
   الموضوعية في العلوم الإنسانية
تقديم إشكالي
هل يمكن تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية مثلما تحققت في العلوم الطبيعية؟.
موقف لوسيان غولدمان (مشكلة الفهم الموضوعي في العلوم الإنسانية)
يعتبر غولدمان أن العلوم الإنسانية رغم محاولتها الدائمة للتحرر من الموروث التأملي الفلسفي لمعالجة الظواهر الإنسانية و تفسيرها فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق ذلك. فعالم الاجتماع أو عالم النفس لا يستطيع أن يضع نفسه بين قوسين (أن يكون محايدا) فيتخلص بصفة نهائية من أحكامه القبلية و مواقفه و ميولاته و دوافعه اللاشعورية. فكل دراسة للظواهر الإنسانية تتأثر لا محالة بذات الدارس، و تطبعها بطابع ذاتي فتحمل بصماته الخاصة.
موقف رونيه بوفريس (الموضوعية في العلوم الإنسانية)
في سياق نفس الصعوبات التي تواجه العلوم الإنسانية تؤكد بوفريس أنه رغم محاولة إلحاق العلوم الإنسانية بالعلوم الطبيعية و تبني المنهج التجريبي و إسقاطه عليها فإن العلوم الإنسانية لم تستطيع أن تصل إلى الدقة العلمية و لم تفي بشرط الموضوعية لأسباب تتصل بطبيعة الظواهر الإنسانية المبحوثة و التي تتميز بالخصوصية و التفرد أي فريد من نوعه و بالتالي فالمعرفة التي تنتجها تبقى مشبعة بالذاتية و بعيدة عن تكون محايدة فظواهر الواقع الإنساني تتميز بالدرجة الأولى يكونها تعنينا بشكل مباشر فهي ليست مجرد حقل إنتاج معرفة مشروطة بالموضوعية لتحقيق العلم بل تحتضن في قلبها لغتنا و فكرنا و تفاعلاتنا و إنتماءتنا و تجاربنا و تاريخنا مما يلزمنا الحياد القيمي كعلماء ضمن حقل العلوم الإنسانية أي أن نلتزم بتقديم أحكام وقائع لا أحكام قيمة.
الفهم و التفسير
تقديم إشكالي
أي منهج يمكن أن يحقق الموضوعية في العلوم الإنسانية هل منهج الفهم أم منهج التفسير؟.
موقف جيل غاستون غرانجي (محدودية منهج الفهم)
يعتبر غاستون أن النظريات في مجال العلوم الإنسانية تتراوح وظيفتها بين وظيفة الفهم و وظيفة التفسير و قد اعتمد البحث في هذا المجال على منهجين أساسيين أولهما هو منهج التفسير الذي ثبت قوته و جدواه في مجال العلوم الطبيعية نظرا لأنه مكن العلماء من تحقيق نتائج إيجابية خاصة ما يتعلق بالتفسير السببي لظواهر الطبيعة و لهذا حاولت العلوم الإنسانية و خاصة علم الاجتماع الوضعي الاقتداء بهذا المنهج من أجل تفسير الظاهرة الإنسانية و معرفة الأسباب التي أدت إليها بشكل حتمي، و المنهج الثاني الذي تم الاعتماد عليه في العلوم الإنسانية هو منهج الفهم الذي أسسه (ماكس فيبر) في مجال السوسيولوجيا (علم الاجتماع) و يعتمد هذا المنهج على تأويل مقاصد و دلالة الفعل الفردي من أجل فهم الظاهرة ككل حيث تختزل الوقائع و ترجع إلى مبادئ مستمدة من طبيعة الواقع الذي يعيشه الفرد لهذا فإن هذا المنهج يبدو و كأنه يلاءم مجال العلوم ا